کد مطلب:241348 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:278

افضل المیاه
فی أحوال المیاه:

ان الماء ركن من الأركان، و مخصوص من جملة الأركان بأنه وحده من بینها یدخل فی جملة ما یتناول، لا لأنه یغذو بل لأنه ینفذ الغذاء و یصلح قوامه.

و انما قلنا ان الماء لا یغذو لأن الغاذی هو الذی بالقوة دم و بقوة أبعد من ذلك جزء عضو الانسان. والجسم البسیط لا یستحیل الی قبول صورة الدمویة و الی قبول صورة عضو الانسان، ما لم یتركب، لكن الماء جوهر یعین فی تسییل الغذاء و ترقیقه و بذرقته نافذا الی العروق و نافذا الی المخارج لا یستغنی عن معونته هذه فی تمام أمر الغذاء.

ثم المیاه مختلفة لا فی جوهر المائیة و لكن بحسب ما یخالطها و بحسب الكیفیات التی تغلب علیها.

فأفضل المیاه میاه العیون و لا كل العیون و لكن ماء العیون الحرة الأرض التی لا یغلب علی تربتها شی ء من الأحوال والكیفیات الغریبة، أو تكون حجریة فتكون اولی بأن لا تعفن العفونة الأرضیة، و لكن التی من طینة حرة خیر من الحجریة، و لا كل عین حرة بل التی هی مع ذلك جاریة، و لا كل جاریة بل الجاریة المكشوفة للشمس والریاح، فان هذا مما تكتسب به الجاریة فضیلة. و أما الراكدة فربما اكتسبت رداءة بالكشف لا تكتسبها بالغور والستر.

واعلم أن المیاه التی تكون طینیة المسیل خیر من التی تجری علی الأحجار، فان الطین ینقی الماء و یأخذ منه الممزوجات الغریبة و یروقه، والحجارة لا تفعل ذلك، لكنه یجب أن یكون طین مسیلها حرا لا حمأة، و لا سبخة و لا غیر ذلك. فان اتفق أن كان هذا الماء غمرا شدید الجریة تحیل كثرته ما یخالطه الی طبیعته یأخذ الی الشمس فی جریانه، فیجری الی المشرق خصوصا الی الصیفی منه، فهو أفضل لا سیما اذا بعد جدا من مبدئه، ثم ما یتوجه الی الشمال. و المتوجه الی المغرب والجنوب ردی ء و خصوصا عند هبوب الجنوب.

والذی ینحدر من مواضع عالیة مع سائر الفضائل افضل. و ما كان بهذه الصفة، كان عذبا یخیل انه حلو، و لا یحتمل الخمر اذا مرج به منه الا قلیلا، و كان خفیف الوزن سریع التبرد والتسخن لتخلخله، باردا فی الشتاء حارا فی الصیف، لا یغلب علیه طعم البتة و لا رائحة، و یكون سریع الانحدار من الشراسیف سریع تهری ما یهری فیه و یطبخ ما یطبخ فیه.

واعلم أن الوزن من الدستورات المنجحة فی تعرف حال الماء، فان الاخف فی أكثر الأحوال أفضل و قد یعرف الوزن بالمكیال، و قد یعرف بأن تبل خرقتان بماءین مختلفین، او قطنتان متساویتان فی الوزن، ثم یجففان تجفیفا بالغا ثم یوزنان، فالماء الذی قطنته أخف، فهو افضل.

والتصعید والتقطیر ما یصلح المیاه الردیئة، فان لم یمكن ذلك فالطبخ فان المطبوخ علی ما شهد به العلماء أقل نفخا و أسرع انحدارا. والجهال من الأطباء یظنون الماء المطبوخ یتصعد لطیفه و یبقی كثیفه فلا فائدة فی الطبخ اذ یزید الماء تكثیفا، و لكن یجب أن تعلم أن الماء فی حد مائیته متشابه الاجزاء فی اللطافة والكثافة لأنه بسیط غیر مركب، لكن الماء یكثف اما باشتداد كیفیة البرد علیه، و اما بمخالطة شدیدة من الاجزاء الارضیة التی أفرط صغرها لیس یمكنها أن تنفصل عنه و ترسب فیه لأنها لیست بمقدار ما یقدر أن یشق اتصال الماء فیرسب فیه صغرا فیضطرها ذلك الی أن یحدث لها بجوهر الماء امتزاج، ثم الطبخ یزیل التكثیف الحادث عن البرد اولا ثم یخلخل اجزاء الماء خلخلة شدیدة حتی یصیر أدق قواما، فیمكن أن تنفصل عنه الاجزاء الثقیلة الارضیة المحبوسة فی كثافته و تخرقه راسبة و تباینه بالرسوب، و یبقی ماء محضا قریبا من البسیط و یكون الذی انفصل بالتبخیر مجانسا للباقی غیر بعید منه، لأن الماء اذا تخلص من الخلط تشابهت اجزاؤه فی اللطافة فلم لصاعدها كثیر فضل علی باقیها.

فالطبخ انما یلطف الماء بازالة تكنیف البرد و بترسیب الخلط المخالط له. والدلیل علی هذا انك تركت المیاه الغلیظة مدة كثیرة لم یرسب منها شی ء یعتد به، و اذا طبختها رسب فی الوقت شی ء كثیر و صار الماء الباقی خفیف الوزن صافیا، و كان سبب الرسوب هو الترقیق الحاصل بالطبخ.

ألا تری أن میاه الاودیة الكبار مثل نهر جیحون - و خصوصا ما كان منها مغترقا من آخره - یكون عند الاغتراف فی غایة الكدر ثم یصفو فی زمان قصیر كرة واحدة بحیث اذا استصفیتها مرة اخری لم یرسب شی ء یعتد به البتة. و قوم یفرطون فی مدح ماء النیل افراطا شدیدا و یجمعون محامده فی اربعة، بعد منبعه و طیب مسلكه و أخذه الی الشمال عن الجنوب ملطف لما یجری فیه من المیاه. و أما غمورته فیشاركه فیها غیره. والمیاه الردیئة لو استصفیتها كل یوم من اناء الی اناء لكان الرسوب یظهر عنها كل یوم من الرأس، و مع ذلك فانه لا یرسب عنها ما من شأنه أن یرسب الا بأناة من غیر اسراع، و مع ذلك فلا یتصفی تصفیا بالغا. والعلة فیه أن المخالطات الارضیة یسهل رسوبها عن الرقیق الجوهر الذی لا غلط له و لا لزوجة و لا دهنیة و لا یسهل رسوبها عن الكثیف تلك السهولة. ثم الطبخ یفید رقة الجوهر و بعد الطبخ المخض.

من المیاه الفاضلة ماء المطر خصوصا ما كان صیفیا و من سحاب راعد.

و أما الذی یكون من سحاب ذی ریاح عاصفة، فیكون كدر البخار الذی یتولد منه و كدر السحاب الذی یقطر منه فیكون مغشوش الجوهر غیر خالصه، الا أن العفونة تبادر الی ماء المطر و ان كان افضل ما یكون، لأنه شدید الرقة فیؤثر فیه المفسد الارضی والهوائی بسرعة، و تصیر عفونته سببا لتعفن الأخلاط و یضر بالصدر والصوت.

قال قوم: والسبب فی ذلك أنه متولد عن بخار یصعد من رطوبات مختلفة ولو كان السبب ذلك لكان ماء المطر مذموما غیر محمود و لیس كذلك و لكنه لشدة لطافة جوهره فان كل لطیف الجوهر، قوامه قابل للانفعال، و اذا بودر الی ماء المطر و أغلی قل قبوله للعفونة. والحموضات اذا تنوولت مع وقوع الضرورة الی شرب ماء مطر قابل للعفونة أمن ضرره.

و أما میاه الآبار و القنی بالقیاس الی میاه العیون فردیئة، و ذلك لأنها میاه محتقنة مالطة للارضیات مدة طویلة لا تخلو عن تعفین ما و قد استخرجت و حركت بقوة قاسرة لا بقوة فیها مائلة الی الظهور والاندفاع، بل بالجملة والصناعة بأن قرب لها السبیل الی الرشوح. و أردؤها ما جعل لها مسالك فی الرصاص فتأخذ من قوته و توقع كثیرا فی قروح الامعاء.

و ماء النز أردأ من ماء البئر، لأن ماء البئر یستجد نبوعه بالنزح فتدوم حركته و لا یلبث اللبث الكثیر فی المحقن و لا یریث فی المنافس ریثا طویلا.

و أما ماء النز فماء یطول تردده فی منافس الأرض العفنة و یتحرك الی النبوع والبروز. و حركته بطیئة لا تصدر عن قوة اندفاعها بل لكثرة مادتها و لا تكون الا فی أرض فاسدة عفنة.

و أما المیاه الجلیدیة والثلجیة فغلیظة، والمیاه الراكدة الاجمیة خصوصا المكشوفة فردیئة ثقیلة و انما تبرد فی الشتاء بسبب الثلوج و تولد البلغم و تسخن فی الصیف بسبب الشمس والعفونة فتولد المرارة و لكثافتها و اختلاط الارضیة بها و تحلل اللطیف منها، تولد فی شاربها اطحلة، و ترق مراقهم و تحبس أحشاءهم و تقضف منهم الاطراف والمناكب والرقاب و یغلب علیه شهوة الأكل والعطش و تحتبس بطونهم و یعسر قیؤهم، و ربما وقعوا فی الاستسقاء لاحتباس المائیة فیهم، و ربما وقعوا فی ذات الرئة و زلق الأمعاء والطحال. و تضمر أرجلهم و تضعف أكبادهم و تقل من غذائهم بسبب الطحال، و یتولد فیهم الجنون والبواسیر والدوالی والاورام الرخوة خصوصا فی الشتاء، و یعسر علی نسائهم الحبل والولادة جمیعا، و تلدن أجنة متورمین و یكثر فیهن الرجاء والحبل الكاذب و یكثر لصبیانهم الادر، و بكبارهم الدوالی و قروح الساق، و لا تبرأ قروحهم و تكثر شهوتهم و یعسر اسهالهم و یكون مع أذی و تقریح الاحشاء، و یكثر فیهم الربع و فی مشایخهم المحرقة لیبس طبعائهم و بطونهم.

و المیاه الراكدة كیفما كانت غیر موافقة للمعدة، و حكم المغترف من العین قریب من حكم الراكد لكنه یفضل الراكد بأن بقاءه فی موضع واحد غیر طویل، و ما لم یجر فان فیه ثقلا ما لا محالة، و ربما كان فی كثیر منه قبض و هو سریع الاستحالة الی التسخن فی الباطن، فلا یوافق أصحاب الحمیات والذین غلب علیهم المرار بل هو اوفق فی العلل المحتاجة الی حبس أو الی انضاج.

الماء البارد المعتدل المقدار أوفق المیاه للأصحاء و ان كان قد یضر العصب و یضر أصحاب أورام الاحشاء و هو مما ینبه الشهوة و یشد المعدة والماء الحار یفسد الهضم و یطفی الطعام، و لا یسكن العطش فی الحال، و ربما أدی الی الاستسقاء والدق، و یذبل البدن.

فأما السخن فان كان فاترا غثی، و ان كان اسخن من ذلك فتجرع علی الریق، فكثیرا ما یغسل المعدة و یطلق الطبیعة، لكن الاستكثار منه ردی ء یوهن قوة المعدة. والشدید السخونة ربما حلل القولنج و كسر الریاح.

والذین یوافقهم الماء الحار بالصنعة أصحاب الصرع و اصحاب المالیخولیا و اصحاب الصداع البارد و اصحاب الرمد. والذین بهم بثور فی الحلق والعمور و أورام خلف الاذن و اصحاب النوازل و من بهم قروح فی الحجاب و انحلال الفؤاد فی نواحی الصدر، و یدر الطمث والبول و یسكن الأوجاع.

و خیر المیاه شربا للمقیم والمسافر ما كان ینبوعها من المشرق نبعا ابیضا. و أفضل المیاه التی تجری من بین مشرق الشمس الصیفی و مغرب الشمس الصیفی.

و أفضلها و أصحها اذا كانت بهذا الوصف الذی ینبع منه، و كانت تجری فی جبال الطین لأنها تكون حارة فی الشتاء، باردة فی الصیف، ملینة للبطن، نافعة لأصحاب الحرارات.



[ صفحه 357]